((الاعتداء على منتسبي الشرطة… الاسباب والمعالجات))
اقامت كلية القانون جامعة القادسية ندوة علمية قانونية تحت عنوان ((الاعتداء على منتسبي الشرطة… الاسباب والمعالجات))عن طريق منصة (ZOOM )
المحاضر: م د.فرقد عبود عواد التدريسي في قسم القانون العام كلية القلنون جامعة القادسية
حيث اوضح المحاضر
ان الاعتداء على منتسبي الشرطة يعد من الامور التي يمكن ان تحصل في معظم دول العالم كون هذه الفئة من فئات الاجهزة الامنية تكون الاكثر تماسا واحتكاكا في علاقاتها اليومية مع الافراد, وهذا انما ينجم من طبيعة عمل هذه الفئة وبالخصوص شرطة المراكز او المخافر وشرطة المرور وشرطة النجدة. ولابد من ملاحظة ان مثل هذا الاعتداء قد يندر حصوله في بعض الدول مثل المانيا, وقد يحدث احيانا في اخرى مثل السويد وفرنسا وبريطانيا. وهذا يرجع بالتأكيد الى صرامة النصوص القانونية ودقة احترامها وتنفيذها, حيث ان تلك النصوص والتي تسري على الجميع بدون تعاقب على مثل هذه الاعتداءات او التجاوزات, وبالتالي فإنها لم تتقرر كعبارات لفظية او نظرية فحسب في متون القوانين ولم تكن بالتالي حبرا على ورق, بل وجدت لها تطبيقا حقيقيا وواقعيا يفرض نفسه على الجميع. الا ان الاعتداءات التي تطال الشرطة في العراق قد اخذت منحى آخر خصوصا في السنوات الاخيرة, حيث اصبح الاعتداء على منتسبي الشرطة من قبل بعض المتنفذين في الدولة او من قبل بعض المواطنين ظاهرة تتكرر بين الحين والاخر يمكن ملاحظتها من قبل اغلب الافراد في المجتمع العراقي, وهذا على الرغم من وجود النصوص القانونية العقابية التي تجرم مثل هذه التعديات او التجاوزات. وفي الحقيقة فإن الاسباب والعوامل التي تؤدي الى ذلك متعددة ومتنوعة, حيث يأتي في مقدمتها الاسباب السياسية والاجتماعية ومنها تلك الحزبية والعشائرية القبلية, حيث لا يخفى اطلاقا تأثير الدور العشائري في العراق عموما فيما يتعلق بمحاولة بعض العشائر حماية من يعتدي على الاجهزة وتخليصه من المساءلة القانونية من خلال تهديد المنتسب المعتدى عليه او عائلته. وبالتالي فإن الفرد المعتدي قد يحتمي بعشيرته ويفلت من العقاب. كما لا يخفى ايضا دور بعض الاحزاب الملحوظ في هذ الامر, هذا بالإضافة الى الاسباب الاقتصادية والامنية والصحية, تلك الاسباب التي تؤثر بشكل كبير على طرفي هذا الاعتداء, منتسبي الشرطة والفرد المعتدي. وحتى يمكن ان نكون منصفين فإن اسباب ظاهرة الاعتداء على منتسبي الشرطة لا تعود فقط الى اخطاء الفرد وتعديه, بل ايضا قد ترجع في احيان اخرى الى بعض الاخطاء المرتكبة من قبل بعض منتسبي الشرطة الذين يقومون بالاعتداء على الافراد او تلفيق التهم جزافا اليهم من اجل مصالح شخصية او من اجل الابتزاز المالي. لذلك فان البحث عن اسباب هذه الظاهرة يجب ان يشمل تلك الاعتداءات التي تقع على المنتسبين من قبل بعض الافراد وايضا تلك الاعتداءات التي تقع من قبل بعض المنتسبين على الافراد. واذا اردنا ان نستعرض النصوص القانونية التي تجرم الاعتداء على منتسبي الشرطة او تلك التي تجرم اعتداء المنتسبين على الافراد, فإننا نجد من النصوص القانونية ما قد عالجت هذا الامر في قانون العقوبات العراقي النافذ رقم (111) لسنة 1969 المعدل, وكذلك في قانون عقوبات قوى الامن الداخلي النافذ رقم (14) لسنة 2008 وتعديله المرقم (38) لسنة 2015. ان قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل فيه من النصوص القانونية ما يكفي ليس فقط لحماية منتسبي الشرطة من الاعتداء الذي قد يطاله من قبل الافراد, بل ايضا لردع الاخرين من محاولة الاعتداء على اولئك المنتسبين. ومن ابرز الجرائم التي قد تطال منتسبي الشرطة هي جريمتي السب والقذف وفقا لنص المادتين (433, 434) من قانون العقوبات العراقي. وهاتين المادتين لم يظهر فيهما بوضوح تشديد العقوبة فيما لو وقعت على موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء تأدية واجبه او بسبب ذلك, خلا حالة ماذا كان القذف موجها لموظف او مكلف بخدمة عامة ففيها ينص المشرع على ان القاذف يجب عليه اقامة الدليل على ما يسنده للموظف او المكلف بخدمة عامة, وهذه في الحقيقة هي الحالة الوحيدة للموقف المتشدد للمشرع العراقي بالنسبة لهذه الجريمة. بينما المفروض بأن يتم التشدد في عقوبة الجريمة التي تقع الى موظف او مكلف بخدمة ثناء تأدية واجبه او بسبب ذلك في حالتي السب والقذف شانهما في ذلك شأن جريمة الضرب والجرح وجريمة القتل اللتان فيهما يشدد المشرع العقوبة التي تفرض على الفاعل. اما جرائم الجرح والايذاء الذي يطال الموظفين او المكلفين بخدمة عامة اثناء تأدية واجباتهم او بسبب ذلك فقد تناولته المادة (230) من قانون العقوبات العراقي, مع جواز اخذها بحالات التشديد في العقوبة التي يقررها القانون. وحالات التشديد هذه يمكن ملاحظتها من خلال جرائم الجرح والضرب والايذاء سواء ذلك المفضي الى الموت وفقا للمادة (410), او ذلك المفضي الى عاهة مستديمة وفقا للمادة (412) من القانون ذاته. وتشير المادة (414) من القانون نفسه الى ظروف التشديد بالنسبة لجرائم الضرب والجرح والاذى المرتكبة وفقا للمادتين (412, 413) من القانون ذاته والتي من بينها حصول الاعتداء على موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء تأديته واجبه او بسبب ذلك. ومن بعد فان جريمة القتل العمد الواقعة على موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء تأديته واجبه او بسبب ذلك انما تكون ظرفا مشددا يستوجب فرض عقوبة الاعدام على الفاعل. الا ان للاعتداء قد يكون سببا آخر متمثلا بسوء التصرف او استغلال السلطة او التستر على جريمة المنتسب والسعي الى حمايته من العقاب وغيرها من الاسباب الراجعة الى المنتسب او من يحميه. وهذا بطبيعة الحال سينعكس سلبا على سمعة القانون وسمعة جهاز الداخلية بصورة عامة بوصفه ممثلا للقانون بين المواطنين, مما يثير تفسيرات وردود افعال سلبية منبثقة من حالة نفسية سلبية تجاه المنتسبين بصورة عامة والذي قد يؤدي الى احتكاك مباشر في ابسط نقاش او التقاء بين المنتسبين والافراد. وبالتالي اذا كان بالإمكان مواجهة الطبيعة الاجرامية للفرد بواسطة قانون العقوبات وبالتالي نتمكن من حماية منتسبي الشرطة من تجاوزات او اعتداءات الافراد, فإن تجاوزات واعتداءات بعض عناصر الشرطة غير المنضبطين يمكن مواجهتها بواسطة قانون عقوبات قوى الامن الداخلي المعدل الذي يتضمن عقوبات عديدة يمكن فرضها على المنتسبين المخالفين. وهذه العقوبات وفقا لنص المادة (2) من القانون قد تكون عقوبات اصلية بداية من الاعدام الى ان تصل الى الغرامة, او تكون عقوبات تبعية هما الطرد من الخدمة والاخراج, او قد تكون عقوبات انضباطية مثل التوبيخ السري والعلني, قطع الراتب, اعتقال الغرفة, اعتقال الدائرة, التعليم الاضافي, الواجبات الاضافية. ومن اجل الحد قدر الامكان من هذه الاعتداءات التي يمكن ان تطال منتسبي الشرطة في العراق فأنه ينبغي اعمال النصوص القانونية الحالية سواء تلك الموجودة في قانون العقوبات العراقي او تلك المتوافرة في قانون عقوبات قوى الامن الداخلي حتى لا تبقى تلك النصوص مجرد حبرا على ورق نتيجة بعض التأثير الحزبي او العشائري او بعض التهاون القضائي في انزال العقوبات المناسبة على الفاعلين. وان كنا نرى بان بعض تلك النصوص القانونية تحتاج الى تعديل من اجل تشديد العقوبة على الجرائم التي تطال الموظفين او المكلفين بخدمة عامة اثناء تأدية واجباتهم او بسببها, وكذلك من اجل تشديد عقوبة المنتسبين الذي يرتكبون المخالفات او الجرائم بحق الافراد. واذا كان بإمكاننا معالجة كل هذه الامور فإنه سوف نصل في نهاية المطاف الى تحجيم ظاهرة الاعتداء على منتسبي الشرطة في العراق.