المحاضر: ا م د. سميرة حسين الطائي

جامعة القادسية_ كلية القانون
اثر نظرية الظروف الطارئة على الالتزامات العقدية في ظل جائحة كورونا
تخضع العقود من حيث المبدأ بصفة عامة واساسية تتمثل في كون العقد شريعة المتعاقدين والتي مفادها بأن كل ما تفق عليه اطراف العلاقة التعاقدية هو مايجب الالتزام به ولايجوز لأي طرف أن يخل به او ان يطلب تعديله وهذا مااقرته غالبية التشريعات الوضعية ومنها التشريع العراقي .
ومن البديهي ان ان مبدأ شريعة المتعاقدين كأالتزام قانوني لايفرض على المتعاقدين فحسب وانما يفرض في كثير من الاحيان على القاضي الحكم وفق ماجاء فيه . الا ان هناك بعض الحالات قد تطرأ والتي تودي الى اخلال في الايفاء بالتزامات المتعاقدين ومن هذه الحالات هي الظروف الطارئة او الظرف الطارئ الذي قد يصل احيانا كثيرة الى قوه قاهرة مما يؤدي الى استحالة التنفيذ من قبل المتعاقدين او يقتصر تنفيذ التزامهما ولو بصورة جزئية على اساس الظروف الطارئة التي حصلت او تحصل حينها يكون ومن مقتضيات العدالة تخفيف التزامات كل من المتعاقدين الى الحد المعقول بعد توفر شروط هذه الظروف ولعل من شروطها .
١_ ان يكون العقد من العقود المستمرة التنفيذ او الفورية التنفيذ لكن تنفيذها مؤجلا وهذا غالبا مايكون في عقد التوريد او الايجار او عقود العمل.
٢_ ان لايكون في الوسع توقع هذه الظروف او الحوادث الاستثنائية والا اذا كان بالإمكان توقعها لاتعد ظرفا طارئا .
٣_ ان تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا لا مستحيلا وهذا مايميزها عن القوة القاهرة التي تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا فينقضي الالتزام بينما الظروف الطارئة تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا بالنسبة الى المدين. ومعيار الارهاق هو معيار موضوعي لايقتصر على شخص معين بالذات .
وتعد نظرية الظروف الطارئة من النظريات التي ظهرت منذ القدم الا انه وفي العصر الحديث نجد القضاء الاداري الفرنسي قد اخذ بها ثم شيئا فشيأ بدأت تطبق على العقود الفردية والعقود على مستوى الدولة ومنها العقود الاستثمارية او عقود ذات المنفعة العامة عند قيام الدولة بأبرام المثير من العقود خدمة للمصلحة العامة والهدف الاساس من تطبيق هذه النظرية هو اعادة التوازن بالتزامات طرفي العلاقة التعاقدية . وامام صمت التشريع في اعطاء تعريف واضح لهذه النظرية نجد ان الفقه القانون قد حدد ملامحها في اطار ما اشرنا اليه من شروط .فقد عرفها الدكتور السنهوري هو عقد يتراخى وقت تنفيذه الى اجل او اجال كقعد التوريد ويحيل اجل التنفيذ الى وقت لاحق بعد اعادة التوازن الاقتصادي في تنفيذ العقد خاصة اذا تغيرت فجائيا لحادث لم يكن في الحسبان فيختل التوازن الاقتصادي اختلالا خطيرا .
اما الفقه الفرنسي فقد عرف نظرية الظروف الطارئة على انها تللك الاحداث التي تطرأ اثناء تنفيذ العقد وهو عادة متتابع التنفيذ بحيث يصبح للمدين اكثر ارهاقا مما يتوقعه عن التعاقد بفعل تللك الظروف .
والسؤال المطروح هل وباء كورونا او جائحة كورونا تعتبر ظرفا طارئا يؤدي الى عدم استطاعة المتعاقدين الايفاء بالتزاماتهم؟.
لاشك ان الامراض الوبائية باتت تشكل تحديا كبيرا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية بمختلف البلدان وبالتأكيد المتضرر الاكبر في ذالك هي البلدان النامية على وجه الخصوص . وفي صدد جائحة كورونا ومنذ ان اعلنت منظمة الصحة العالمية في يوم ٣٠ يناير ٢٠٢٠ على ان تفشي فايروس كورونا الذي ظهر في الصين وانتشر في العديد من مناطق العالم يشكل حالة طوارئ ذو بعد دولي بعد ان قتل ابتدأ ١٧٠ شخصا وانتقل الى ١٨ دولة فأصبح الوضح حالة صحية عالمية . اذن ومن خلال ذالك لا جدال ان فايروس كورونا يعتبر سببا اجنبيا عن العقد لانه امر خارج عن اراداة المتعاقدين وطالما هو من الحوادث الفجائية الغير متوقعة وشمل العامة من الافراد والدول كظرف عام وهو يشبه في اثره الحروب والكوارث الطبيعية التي تمنع من تنفيذ العقود خاصة العقود المستمرة التنفيذ او الفورية التنفيذ والتي يكون تنفيذها مؤجلا لذألكاعتبر فايروس كورونا من قبيل الظرف او الظروف الطارئة التي يتطلب مع وجودها اعادة التوازن الاقتصادي عن طريق تعديل العقد أو الالتزامات العقدية . لانه وبموجب هذه النظرية فهي لاتؤدي الى انقضاء الالتزام وانما الى قيام القاضي برده الى الحد المعقول حتى ينفذ المدين التزامه فيما بعد دون ارهاق وهذا يتماشى مع فكرة العدالة المجردة في مشاركة الدائن للمدين في الخسارة الناشئة عن الاحداث التي يرهق معها تنفيذ الالتزام بذات بنوده او وفق مضمونه .
وعندما اعلنت منظمة الصحة العالمية ان فايروس كورونا هو جائحة عالمية عابرة للحدود كان الغرض من ذلك عدها من الظروف الطارئة او لجعل الدول ان تعلن حالة الطوارئ تمهيدا لمعالجة الحالات التي ترسبت من هذه الظروف ومنها تنفيذ العقود مما يجعلنا البحث عن حلول لها على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الدولي فالمعالجة على الصعيدين كالتالي
اولا_ المعالجة على الصعيد الداخلي ووفق التشريع العراقي .
قبل المعالجة التشريعية لهذا الموضوع لابد من الاشارة الى ان القضاء العراقي قد اخذ بنظرية الظروف الطارئة في مناسبات كثيرة فقد اعتبر فيضان سنة ١٩٤٥ والذي كان فيضانا طارئا غير مألوف ظرفا طارئا . كما اعتبرت انحباس الامطار بصورة مفاجئة .كذلك اعتبر الحوادث التي رافقت الاعتداء الاسرائيلي سنة ١٩٦٧ ظرفا طارئا عند توقف الشحن الجوي وغيرها من الحوادث التي حاول القضاء اعطاء التوزان باعتبارها من الظروف الطارئة .
اما فيما يخص التشريع العراقيفاذا توفرت الشروط المتقدمة باعتبار ان فايروس كورنا من الظروف الطارئة فاللمحكمة ان ترفع الارهاق الى الحد المعقول وهذا مااشار اليه القانون المدني العراقي بقوله ( تنقص الالتزام الى الحد المعقول ) ونقص الالتزام يعني انه لابد للقاضي ان يرفع الارهاق باانقاص التزامات المدين وهو اما بزيادة التزامات الدائن او بانقاص التزامات المدين فزيادة التزامات الدائن تكون بزيادة السعر مثلا وانقاص التزامات المدين تكون بانقاص الكمية مثلا اذا كان العقد وعلى سبيل الافتراض عقد توريد .
ثانيا _المعالجة على الصعيد الدولي او الغير تقليدية .
بالنظر الى ان الدل نفسها اصبحت معنية بهذا الظرف الطارئ وهي التي تقرر حالة الطوارئ فأن بعض الدول بدأت تأخذ على عاتقها جانبا من المسؤولية فبدأت الدول ذات الاقتصاديات العملاقة تصدر شهادات تتضمن ابراء الاطراف من مسؤولياتهم العقدية التي يصعب الوفاء بها بسبب فايروس كورونا باعتباره ظرفا طارئا واحيانا قد يصل الى اعتباره كقوة قاهرة لا يمكن دفعها . ولكن لتعلق الامر بالالتزامات التعاقدية وبمبالغ طائلة التزمت بها شركات عالمية كبرى . حيث طالبت بالحصول على شهادة الظرف الطارئ او القوة القاهرة للتقليل من التزاماتها التعاقدية او على الاقل الاعفاء من غرامات التأخير او من اي تعويض عن التأخير في التنفيذ بحيث يكون لهذه الشهادة اثر دولي وليس محلي فقط .
ان تحقيق التوازن الاقتصادي للعقد في حده الادنى يقتضي المقارنة بين مبدأ القوة الملزمة للعقد ومقتضيات مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود وهو معمول به في غالبية التشريعات الوضعية ومنها التشريع العراقي . فمن المتوقع ايضا ان تزداد الدعاوي القضائية التي ستقام على اساس عدم القدرة على الايفاء بالالتزامات العقدية بسبب الظروف الطارئة كفايروس كورنا بازدياد كبير وهو ما ادركه النظام العالمي وكان سببا رئيسيا لإصدار هذه الشهادة بالنسبة للدول التي اعلنت حالة الطوارئ وهذا مما يجدر الاشارة اليه والاخذ به من قبل العراق باعتباره من الدول التي اصابها الضرر البالغ بتنفيذ العقود المبرمة سواء كانت على المستوى الفردي من قبل الشركات او على مستوى الدولة من قبل القطاع الحكومي على مستوى الوزارات .