نافذة ثقافة قانونية…نطل بها عليكم من الصفحة الرسمية للكلية تتضمن مقالات وآراء لأساتذة وخبراء القانون في الكلية الهدف منها خدمة المجتمع وزيادة الثقافة القانونية…
بقلم: ا.د.عدنان عاجل عبيد
أستاذ القانون العام في كلية القانون – جامعة القادسية
أستاذ القانون الدستوري المحاضر في كلية القانون – جامعة الكوفة
(معضلة استقلال الهيئات المستقلة في قضاء المحكمة الاتحادية العليا في العراق……تعليق على حكم المحكمة ذي العدد (88/ اتحادية / 2010 ) في 18/11/2011)
لقد أثار رأي المحكمة الاتحادية العليا في العراق بفكرة استقلال الهيئات المستقلة خلافا مستعراً على الصعيدين القانوني والسياسي ،إذ أُدخلت الهيئات المستقلة في صومعة الصراع السياسي والتنافس الحزبي ،مما ألقى بها في أروقة قضاء المحكمة الاتحادية العليا لتقول كلمتها الفصل في ذلك وان شابها النقص واكتنفها الغموض واعتراها التناقض لذا انبرى لها المنتقدون من كل صوب واتجاه.
ترى المحكمة الاتحادية العليا في حكمها ذي العدد (88/اتحادية/2010) الصادر في (18/1/2011) بـأن ( … هذه الهيئات ليست إحدى السلطات الاتحادية المستقلة التي تتكون منها جمهورية العراق المنصوص عليها حصريا في المادة (47) من الدستور وهي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والتي تمارس مهامها المرسومة بالدستور والقانون بصورة مستقلة وعلى أساس مبدأ الفصل بين السلطات ) كما قضت بان ( … وتجد المحكمة الاتحادية العليا كذلك ان ( ارتباط ) بعض الهيئات المستقلة بمجلس النواب لا يحول دون إشراف مجلسا لوزراء على نشاطها تطبيقاً لإحكام المادة (80/ اولاً) من الدستور و نصها ( يمارس مجلس الوزراء : أولا: تخطيط السياسة العامة للدولة والخطط العامة والإشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ) لان الهيئات المستقلة تقع ضمن هيكل الدول وتؤدي مهام تنفيذية ولا ترتبط بوزارة .
اما بالنسبة الىبقية الهيئات المستقلة التي لم يحدد الدستور نص صريح ارتباطها بمجلس النواب او بمجلس الوزراء وتمارس مهام تنفيذية غير مرتبطة بوزارة ذكر الدستور ذلك ازائها ام لم يذكر اكتفاءً بما اورده من نصوص تعطي حق الرقابة لمجلس النواب على اعمال السلطة التنفيذية … مع وجوب مراعاة الاستقلال المالي والاداري لهذه الهيئات الذي نص الدستورعليه …)
ومما تقدم يستبان بان المحكمة الاتحادية العليا تضع الهيئات المستقلة ضمن المفاهيم التالية:
1. ان الهيئات المستقلة لا تمت بصلة للسلطات الثلاثة .
2.ان هذه الهيئات تخضع للسياسة العامة للدولة التي رسمها مجلس الوزراء وتقع تحت
رقابة مجلس النواب شأنها شأن الأجهزة التنفيذية الأخرى.
3 .ان آية خضوعها الى السياسة العامة للدولة هو انضوائها تحت مصطلح الهيئات غير
المرتبطة بوزارة الوارد في المادة (80/ اولاً) من الدستور .
ان معنى الاستقلال اللصيق بهذه الهيئات هو الاستقلال المالي والإداري5.
ان المحكمة الاتحادية العليا بهذه المفاهيم قد ركست في وحل الغموض وعدم الدقة وهاكم التبرير:
1.غموض فكرة الهيئات المستقلة في الدستور :
ولا ننكر تشويه المشرع لفكرة الهيئات المستقلة عند النص عليها في صلب الدستور فتارة يوردها المشرع ضمن فصل رابع الى جانب الفصول الثلاث الاولى المتعلقة بالسلطات الثلاث رغبة منه في ايراد هيئات لاتتبع أي من السلطات الثلاث ،وتارة اخرى يتخبط في ربطها كيفما يشاء رميا دون اتئاد.
وكان الاجدر بالمحكمة ان تزيل الغموض والتشويه عنه الا ان توغل فيهما ،فقد اصاب حكم المحكمة تخبط واضح في ايراد مفهوم واضح لتلكم الهيئات،اذجاء في حكمها بان ( .. و انما هي – الهيئات المستقلة – جزء من احدى هذه السلطات ومرجعيتها يلزم ان تحددها طبيعة المهام التي تقوم بها على وفق القانون ..) مما يعني ان المحكمة تسلم بان الهيئات المستقلة والتي اكتسبت تسميتها من استقلالها من السلطات الثلاثة هي جزء منها ،في حين ذكرت في مورد اخر بان ( لان هذه الهيئات ليست احدى السلطات الاتحادية المستقلة التي تتكون منها جمهورية العراق المنصوص عليها حصريا في المادة 47 من الدستور وهي السلطات : التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية، …) مما يعني ان المحكمة تتردد في اعتبارها جزء من السلطات الثلاثة ام منفصلة عنها ،ولعمري ان في هذا لتخبط مبين لا يجدر بالقضاء ارتكابه.
2.لقد خلطت المحكمة بين الهيئات المستقلة وهي جهات تمارس مهام حساسة وخطيرة اراد المشرع لها ان تستقل عن السلطات الثلاث، وبين الدوائرغيرالمرتبطة بوزارة وهي دوائر تنفيذية تخضع للسلطة التنفيذية يرأسها مدير بدرجة وزير . وكان الأجدر بالمحكمة ان تقدم تبرير آخر غير نص المادة (80/ اولاً) و هو نص المادة (61/ثامناً/ه) من الدستور الذي قضى بأن ( لمجلس النواب ،حق استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة وفقاً للإجراءات المتعلقة بالوزراء وله إعفاؤهم بالأغلبية المطلقة ) وبهذا يصرح المشرع بخضوعها لرقابة مجلس النواب شأنها شأن الوزارات الاخرى. .
3.رأت المحكمة بأن الاستقلال هو الاستقلال المالي والاداري ولانعتقد ان الضالة في ذلك فالاستقلال المالي يعني صرف نفقات هذه الهيئات من موازنة الدولة وتحت ابواب منفصلة . اما الاستقلال الاداري هو وجود نظام قانوني خاص بموظفي تلكم الهيئات يختلف عن سائر الموظفين . وفي كلاً النوعين لا يتحقق المعنى المنشود . فالمعنى الحقيقي للاستقلال والذي ابتغاه المشرع في الدستور والذي لم يفلح كلاً من القضاء والفقه الدستوري في الكشف عنه هو ( الاستقلال الفني ) أي عدم امكانية السلطات الاخرى بالتدخا في عمل الهيئات المستقلة و بضمنها مفوضية الانتخابات . فلا تملك التدخل في انسيابيته وتغيير مجراه بعيداً عن الاحكام القانونية والاصول التي تحكم عملها ،فالاستقلال المالي والاداري تحصيل حاصل لأية جهة تمتع بالشخصية المعنوية سواء كانت وزارة اوجهة غير مرتبطة بوزارة او هيئة مستقلة و لا تفرد به الهيئات المستقلة الا انما يميزها الاستقلال الفني في عملها حسب.
وعودة على بدء و قدر تعلق الامر بحكم المحكمة هذا فاننا نوصي محكمتنا الموقرة ان تولي اهتماماً لتوجهات الفقه الدستوري المتخصص وتفصل اكثر في احكامها وتتعمق ،كيما تكون قراراتها حلا متيناً لصراع الكتل السياسية الشغوفة بمسك زمام الحكم ،وحكماً شاخصاً لكبح جماحها وسوقها حول مفهوم الدولة القانونية الذي ينعم فيها الفرد بالحقوق ويستأثر بالحريات ويأ من لعمل السلطات فيها .
بقلم: أ.د. سلافة طارق عبد الكريم
أستاذة القانون الدولي الإنساني في كلية القانون _جامعة القادسية
اليوم الدولي للتصحر والجفاف
#يُحتفل باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف سنويا في17 حزيران من كل عام ..
تتعرّض النظم الإيكولوجية للأراضي الجافة، التي تغطي أكثر من ثلث مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، لخطر الاستغلال المفرط والاستخدام غير الملائم.
إذ يمثّل التصحر ظاهرة تدهور الأراضي في المناطق القاحلة، وشبه القاحلة، والجافة شبه الرطبة. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية، الأمر الذي يؤثر على أشد الفئات فقراً في العالم.
وإن القرارات التي نتخذها كل يوم فيما يتعلق بمشترياتنا وأكلنا وشربنا وملابسنا وكيفية سفرنا تؤثر كافة على موارد الأرض.
ويجري الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف لتعزيز الوعي العام بالجهود الدولية المبذولة لمكافحة التصحر. ولذلك، يعد هذا اليوم لحظة فريدة لتذكير الجميع بأنه يمكن وقف تدهور الأراضي. وتجدر الإشارة إلى أنّ أمانة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر تقود الاحتفال بهذا اليوم العالمي.
بقلم:ا م. مالك جابر الخزاعي
كية القانون _ جامعة القادسية
جدلية المادة ( 57 )
( مشاهدة المحضون وتحديد مكان المشاهدة )
Controversy Article ( 57 ) ..
Watching the cuddled child and Locating the viewer
بعد صدور الحكم الصادر من محكمة الاحوال الشخصية بتأييد الحضانة للمدعية (الأم ) وذلك عملاُبأحكام المادة (السابعة والخمسون ) من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ والذي يحمل رقم 188 لسنة 1959 المعدل والذي جاء في الفقرة (1) من المادة اعلاه (الأم أحق بتربية وحضانة ولدها , حال قيام الزوجية وبعد الفرقة , ما لم يتضرر المحضون من ذلك )
هنا من حق الأب ان يطلب الحكم له بمشاهدة للمحضون .
وقد مر موضوع المشاهدة بعدة مراحل منها ما قبل سنة 2003 كانت محاكم الاحوال الشخصية تحكم بتمكين المدعي (الأب ) من مشاهدة ولده مرتان في الشهر في اليومين الاول والخامس عشر من كل شهر ولمدة ساعتين في مقر منظمة الاتحاد العام لنساء العراق وفي البلدة التي يقيم فيها الولد مع حاضنته وذلك وفقا لقرار مجلس قيادة الثورة (المنحل ) رقم 211 لسنة 1984 .
اما بعد سنة 2003 فكانت المحاكم تحكم على ان تكون المشاهدة في مديرية التنفيذ التي تقع ضمن سكن الحاضنة , ومعلوم لما لهذا المكان من سلبيات كثيرة جدا على نفسيه المحضون اذ ان هذا المكان لا يصلح للمشاهدة اطلاقا , لضيقه اولا ولكون دائرة التنفيذ اساسا خصصت للمراجعة وتنفيذ الاحكام الصادرة من المحاكم ، ناهيك عن كثرة المراجعين والموظفين وضيق المكان .
ونتيجة للمناشدات التي طرحت على محاكم الاستئناف ومنها محكمة استئناف الديوانية قامت المحكمة الموقرة بتحديد مكانين للمشاهدة , احداهما قاعة خاصة للمشاهدة بعيدة عن المحكمة وعن دائرة التنفيذ , والثانية في مركز الارشاد الاسري في الديوانية التابع للعتبة الحسينية المقدسة وكان لي الشرف بالمساهمة في تفعيل المشاهدة في هذا المركز من خلال مراجعتنا انا والسيد مسؤول المركز (مركز الارشاد الاسري ) الى السيد رئيس استئناف الديوانية وبعد بطرح الفكرة عليه وعدنا خيرا وفعلا اوفى بوعده وأوعز ان تكون المشاهدة في هذا المركز , اما بالنسبة للمركز فكان ولا يزال من افضل الاماكن للمشاهدة لما فيه من استقبال وحفاوة واحترام وتقدير للمحضون والحاضنة وللأب طالب المشاهدة فقد يبذل هذا المركز من الجهد الكثير في استقبال وعناية المحضون والمحافظة عليه طيلة فترة المشاهدة , وبما ان ساعتين من كل يوم مرتين في الشهر يرى كثير من طالبي المشاهدة قليلة وللمناشدات الكثيرة من اولياء الامور فقد استجاب مجلس القضاء الاعلى لهذه المناشدات من خلال كتابه الموجه الى رئاسات الاستئناف بعدد 976 في 30/9/2019 والذي قرر بموجبه توجيه السادة القضاة في محاكم الاحوال الشخصية بأن تكون المشاهدة بحسب اتفاق الطرفين وبعكسه يتم تحديد مكان المشاهدة من قبل المحكمة ويراعى في ذلك ان يكون المكان خارج مقرات المحاكم ودوائر التنفيذ التي تؤثر على نفسية المحضون وان يتم اختيار المقرات النسوية ومقرات المجتمع المدني مكانا للمشاهدة خلال الشهر وكذلك التوسع في تحديد عدد المرات للمشاهدة خلال الشهر الواحد ومن خلال ذلك اصبح بالإمكان منح طالب المشاهدة مشاهدة المحضون لأكثر من مرتين في الشهر , وكذلك بإمكان طالب المشاهدة اصطحاب المحضون , وبعد ان كان لا يجوز اصطحاب المحضون خارج المكان المخصص للمشاهدة وحسنا فعل مجلس القضاء الأعلى الموقر عندما وسع عدد مرات المشاهدة لأكثر من مرتين في الشهر وكذلك أذن باصطحاب المحضون خارج المكان المخصص للمشاهدة رغم ان اصطحاب المحضون خارج المكان المخصص لا يخلو من محاذير كثيره . في الختام نسأل الله العلي العظيم ان يحفظ عوائلنا الكريمة من كل مكروه وان يحفظ بلدنا , واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
اللّسانيّات الجنائيّة وأثرها في كشف الجريمة
بقلم د.سندس محمد عباس
كلية القانون _ جامعة القادسية
نشأ التقسيم الكلاسيكي للمعرفة منذ عهد الإغريق القدماء واستقر في نهاية عصر النهضة، بتحديد الملامح العامة لمجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية،وأدت متطلبات الدينامية للمجتمعات الحضارية المعقدة أعلى درجات التخصص.
وفي العصر الحديث ظهر الفكر الإبستمولوجي المستند على النظرية التكاملية، القائمة على (الدراسات البينية) ذات البحوث العلمية المعمقة، التي تجمع بين التخصصية الدقيقة، والنظرة الموسوعية الشاملةِ، فهي تؤمن بتكامل العلوم المعرفي وتداخلها جميعاً، وتعدها ضرورة من ضرورات المنهج العلمي النافع والناجع لخدمة الإنسان في هذا العصر، ووجدت طريقها إلى الجامعات العريقة في سبعينيات القرن المنصرم، وأثبتت كفاءتها.
حقل القانون ليس بعيداً عن التداخل والتكامل مع العلوم الأخرى، و هذا ما خلق حقولاً للبحث والاستقصاء في (دراسات بينية) مشتركة في مجالات القانون والأدب، القانون والفلسفة ،القانون والإحصاء،والقانون والنظرية النقدية،والقانون واللغة، والقانون واللسانيات،ويعرف بحقل(اللسانيات الجنائية)أو علم (اللغة الجنائي) ؛ وهو فرع من فروع علم اللغة التطبيقي يقوم على دراسة وتحليل البيانات اللغوية المصاحبة لوقوع الجريمة للكشف عن هوية الجناة، أصبح علماً قائماً بذاته في العقديين الأخيرين،نتيجة رفده بمئات البحوث والدراسات الميدانية، وعقد الندوات والمؤتمرات المكثفة بالغرب.
مجالات علم (اللسانيات الجنائية)إثبات هوية المتحدث من خلال(البصمة اللسانية) وهي على مستويين:
الأول: البصمة الصوتية التي ميز الله بها كل شخص عن الأخر في مخارج الصوت وطريقة نطق ومستوى الصوت،أشبه ببصمة الإبهام.
الثاني: طريقة استعمال الألفاظ والعبارات والتراكيب والاستعارات والتقديم والتأخير في صياغة الجمل ، فلكل شخص معجم لغوي خاص به ، تكون من تجارب الشخص اللغوية، وثقافته والمحيط الذي يتفاعل معه، فضلاً عن عوامل فسيولوجية واجتماعية ونفسية تركت أثرها في جعل لكل شخص نسقاً منفرداً في التعبير واستخدام التراكيب وطرح الأفكار، يتجلى واضحاً في ممارساته الكلامية وهذا ما يسعى لكشفه حقل(اللسانيات الجنائية) في التحري من خلال التحليل الصوتي واللغوي.
ومن مجالاته الأخرى إثبات هوية المتهم من خلال النصوص المكتوبة المنسوبة له، ويتم عن طريق مقارنة نص للمتهم مع نصوص معلومة صحتها له،ثم يحلل عالم اللغة الجنائي أسلوب النصين ويقارن بينهما للوصول إلى نقاط تشابه السمات الأسلوبية في النصين ليعطي وجهة نظره حول صحة نسبة النص للمتهم.
علم اللهجات اللغوية يعد احد أهم المجالات في(اللسانيات الجنائية) ويعتمد على دراسة اللهجات بطريقة تستند إلى معلومات انثروبولوجية ، وهو مجال يعتمد على تحليل الجوانب اللغوية في النص ولا يعتمد على البصمة الصوتية، مثل استخدام كلمات أو عبارات وطريقة نطق بعض الكلمات حيث أن لكل سكان إقليم معين في البلد الواحد طريقة نطق معينة تشمل فروق لغوية،نستطيع تميز سكانها من النطق، وهذا ما يساعد التحري الجنائي في صحة نسب حديث مسجل إلى متهم بناء على سمات لهجته، كما أن التحدث بلهجة أخرى غير اللهجة الأصلية للشخص يصنع لكنة يمكن تحديد موطن متحدّثيها، وكثير من الجرائم نفيت عن المتهمين نسبة إليهم من خلال تسجيل صوتي بحجة أنهم يتقنون التحدث بعدة لهجات، متى ما أرادوا، والحقيقة أن مبادئ علم اللغة العام ونظرية اكتساب اللغة، تنفي أن الشخص يستطيع التحدث بنفس طريقة الناطقين الأصليين بتلك اللغة ، مهما كانت مهاراته إذا تعلمها بعد مرحلة المراهقة، وهذا ما أثبته اللغوي الأمريكي المشهور (روبرت رودمان) أمام المحكمة، في نفي التهمه عن احد المتهمين بتجارة المخدرات،وقد نسب التحري إليه تسجيل صوتي كان الصوت باللهجة الأصلية للإقليم، والمتهم قد قدم إلى تلك البلدة بعد سن المراهقة.
أما الاتجاه الأخر تحليل الخطاب الشفاهي والمكتوب وهو مهم في عملية التحقيق وداخل المحاكم وكذلك ذو فائدة كبيرة للمحامي لإثبات الحقيقة في استعمال المتهم لكلمات معجمية محددة في استجوابه مثلاً استعمال المتهم ضمير المتكلم (أنا) بدلاً من ضمير المتكلمين (نحن) يستنتج تحليل الخطابي عدم تورطه في مؤامرة جماعية ،ويكثر استعمال الفعل المبني للمجهول من المتهمين بجرائم الشرف لدرء التهمة عنهم.
وقد استعان المحامون بعلماء اللغة الجنائية لإثبات من خلال التحليل الخطابي أن قول (نعم) أو (بلا) أو (أي) أثناء توجيه الأسئلة عن الجرم موضوع المحادثة لاتدل على اعتراف المتهم بارتكاب الجريمة في المحادثة، قد يعني بها (فهمت ما تقول) للإشارة للمتحدث باستمرار في الحديث، وهي من عادات الكلام في المجتمعات العربية،ولا تشير إلى الاعتراف بالمشاركة في الجريمة.
توسع البحث والتحليل في اللسانيات القانونية ،وخرج عن بوتقة التحليل من مستوى الجملة إلى مستوى أكبر هو التحليل على مستوى النص ، وعدم تشتيت الدلالات الواردة في الجمل المكونة للنص الشفاهي والمكتوب فضلاً عن دراسة السياق وأثره في المعطيات النصية.
لقد استعان القانون بعلم اللغة الجنائي للكشف عن هوية الجاني في قضايا كبرى،مثل تفجيرات أو (اكلاهوما) الشهيرة في الولايات المتحدة. الأمر المحزن انه برغم من تطور هذا الحقل المعرفي ونشوء مراكز أكاديمية متخصصة في هذا المجال،مثل الجمعية العالمية لعلم الأصوات الجنائي ومقرها المملكة المتحدة، والجمعية العالمية لعلم اللغة الجنائي ومقرها الولايات المتحدة لم يهتم العرب المختصين في العلوم الجنائية والقضاء والحقوق بهذا المجال الذي يستحقه زمن العدالة، وبقوا يدورون في بحوثهم ودراستهم في دائرة واحدة تتكرر محافظين على الطابع التقليدي في فصل العلوم وهذا احد أسباب عدم نهوض حركة الإبداع في وطننا العربي والبقاء عالة على ما يقدمه البحث الغربي.
#نافذة ثقافة قانونية…نطل بها عليكم من الصفحة الرسمية للكلية تتضمن مقالات وآراء لأساتذة وخبراء القانون في الكلية الهدف منها خدمة المجتمع وزيادة الثقافة القانونية…
إلغاء الــقـرار الإداري بسـبب عيــب الانــحراف في الـسلطــة
قريــنة لارتكاب جــريمة
أ . د . م زينب كريم سوادي
جامعة القادسية/ كلية القانون
من المسلم به فقهاً وقضاءً ان كل قرار يصدر عن الادارة يفترض انه قام على اسباب صحيحة وصدر وفقا للقانون قاصدا المصلحة العامة , الا انه من الناحية العملية نجد ان الادارة قد تنحرف عن ما مرسوم لها في اتخاذ قرارها الاداري مما يؤدي بالنتيجة الى الغاء هذا القرار كونه مشوبا بأحد العيوب التي تجعله قرارا غير مشروع , ومن هذه العيوب عيب الانحراف في السلطة او اساءة استعمالها .
ومما لا شك فيه ان ظاهرة الانحراف في استخدام السلطة يبرز بدائية الادارة في الدول المتخلفة , كونه مفهوما بدائيا قديما , وكان من المفترض انه زال او في الاقل في طريقه الى الزوال , لكن وللاسف الشديد لا زال موجودا في بعض ادارات دول العالم الثالث بما فيها الادارة العراقية , وبصرف النظر عن نطاق هذه الظاهرة ومداها , فالانحراف ذو مفهوم شخصي ونسبي يرتبط ارتباطا وثيقا بعقلية مصدر القرار ونشأته الاسرية والادارية , كما يرتبط بمستواه العلمي والثقافي , والظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة به وهي امور عمل القضاء الاداري على مراعاتها واخذها بعين الاعتبار عند بحثه عن نوايا مصدر القرار ونوازعه والاهداف والغايات التي يهدف الى تحقيقها بأصدار القرار ,
لما تمثله الاعتبارات السابقة من اهمية كبيرة في اثبات الانحراف بالسلطة , لان واقع الحال يقول ان كثير من القرارات صدرت تحت ضغط الاعتبارات الحزبية او بهدف تحقيق مصالح شخصية لمصدر القرار او لغيره , او تصدر لغرض الانتقام
وحتى تكون القرارات الادارية مشروعة يجب ان تصدر من الشخص المختص بأصدارها , وفي الشكل المحدد قانونا , واستنادا الى اسباب تبررها وان يكون محلها قائما ومشروعا بهدف تحقيق المصلحة العامة.
واذا لم يصدر القرار الاداري وفق هذه الشروط عد مشوبا بعيب من عيوب المشروعية بصفة عامة , واذا خرج عن هدف تحقيق المصلحة العامة او الهدف المحدد قانونا , فأن القرار الاداري يكون مشوبا بعيب الانحراف في السلطة بصفة خاصة .
تبدو اهمية هذا الامر في مدى تغلغل فكرة مشروعية اعمال الادارة في الدولة الحديثة , اذ ان الرقابة تمتد هنا الى الدوافع النفسية , واهمية الرقابة القضائية على الانحراف بالسلطة تظهر في ارساء مبدأ المشروعية على الاعمال الادارة وبناء دولة القانون .
وكذلك تظهر اهمية هذا الامر بأعتبار لجوء الافراد الى القضاء الاداري لالغاء الاعمال المشوبة بعيب الانحراف بالسلطة وسيلة فعالة لضمان الحفاظ على حقوقهم .
ورغم تناول قانون العقوبات العراقي الانحراف في السلطة تحت مصطلح(جريمة اساءة استعمال السلطة) في المواد من (329_341)
وتكمن المشكلة في عدم تحديد المشرع العراقي الاعمال التي تعد من قبيل اساءة استعمال السلطة ,كذلك ان المشرع العراقي لم يعدها من الاعمال التي تدخل ضمن الجرائم الاقتصادية رغم تأثيرها على اقتصاد الدولة وسمعتها على الصعيدين الداخلي والخارجي ,ولان عيب الانحراف في استعمال السلطة يتصل بركن الغاية في القرار الاداري , ويعتبر من اهم واخطر العيوب الاخرى كونه اكثر حساسية ودقة لانه من العيوب الخفية المستترة المرتبطة بنفسية مصدر القرار الاداري ,مما يجعل الغاء القرار الاداري المعيب بالانحراف في السلطة يشكل قرينة على ارتكاب جريمة بموجب قانون العقوبات العراقي
ولئن كان الاصل ان الطعن بالقرارات الادارية يكون امام القضاء الاداري فلابد من القول ان الطعن بالغاء القرار الاداري كونه معيب بالانحراف بالسلطة يصعب على المدعي اثباته لانه عيب كما اسلفنا كامن في نفس متخذ القرار خصوصا اذا كان القانون يمنحه سلطات تقديرية واسعة وان ظاهر القرار يحقق مصلحة عامة الا اذا كانت سلطته مقيدة وفقا لقاعدة تخصيص الاهداف عندئذ يمكن اثبات ذلك العيب امام القضاء ،هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى يواجه المدعي بهذا العيب والقرار الاداري معا صعوبة في اثبات الانحراف في السلطة كلما علت الدرجة الوظيفية لمتخذ القرار لما يتمتع به من سعة في الصلاحيات حتى نصل الى قمة الهرم الاداري ممثلا بمجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء لذا نجد ان القضاء الاداري عادة يلغي القرارات الصادرة من هذه الجهات راكنا الى عيوب اخرى لعل ابرزها عيب مخالفة القانون والذي يسمى في اطار القانون الاداري بعيب المحل
والمشكلة الاخرى التي لابد من طرحها بهذا الخصوص تتعلق بالقرار الاداري السلبي والذي مقتضاه سكوت الادارة عن اتخذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه ففي مثل هذه الحالة من الصعب اثبات عيب الانحراف بالسلطة من خلال معرفة غايات رجل الادارة الذي يمتنع عن اتخاذ قرار اداري
لكن وكما اشرنا سابقا الى ان القضاء الاداري في العراق وبموجب قانون مجلس الدولة النافذ الذي اعطى له صلاحية احالة القضية الى القضاء الجزائي المختص اذا وجد ان فعل الادارة او احد موظفيها يشكل جريمة غير اننا لم نجد في قرارات مجلس الدولة قرارا احال فيه القضية الى محكمة جزائية ربما لاحترامهم الشديد في هذا الامر لمبدأ الفصل بين السلطات
لكن هذا لا يمنع المدعي من ان يحتج بالقرار الصادر من القضاء الاداري امام المحكمة الجزائية بان القرار الصادر بالغاء القرار الاداري بسبب الانحراف بالسلطة يعد دليلا على ارتكاب جريمة .
بقلم :م.حسين نعمه انغيمش
أستاذ القانون الدولي الخاص
كلية القانون _جامعة القادسية
فلسفة المحكمة العليا الأمريكية في حل مسائل تنازع القوانين في الولايات المتحدة
تسعى المحكمة العليا الأمريكية إلى تحقيق العدالة المادية في الحلول المتبعة في مجال تنازع القوانين مبررة تلك الحلول بنصوص عامة وردت في الدستور الأمريكي رغم أن الأخير لم يتضمن اي إشارة لكيفية حل مسائل تنازع القوانين اللهم الا عندما عرض الاختصاص التشريعي القاصر للسلطة الفيدرالية في الفقرة الثامنة من المادة الأولى من الدستور الأمريكي النافذ (إصدار قوانين موحدة بالافلاس ومسائل التجنس وتنظيم التجارة مع الدول الأجنبية وتشجيع التقدم في مجال العلوم والفنون ) .
وقد تسبب هذا في إحداث حالة من عدم اليقين القانوني نتيجة لغياب منهج واضح يمكن استنباطه من السوابق القضائية الصادرة عن المحكمة العليا الأمريكية فتحقيق العدالة يستوجب النظر إلى ظروف وملابسات كل دعوى على حدة. ان المحكمة العليا الأمريكية قد بادرت إلى تشجيع القضاء في الولايات المتحدة عن التخلي عن إعمال قواعد الاسناد التقليدية خصوصا تلك المبنية على ضوابط إسناد مكانية لأنها تتسم بالجمود وعدم تحقيقها للعدالة وان لم تصرح بذلك في العديد من أحكامها كما أنها قد باركت توجه المحاكم العليا في الولايات نحو تطبيق قانونها بالمخالفة لقواعد الاسناد التقليدية وبررت ذلك من الناحية الدستورية بوجود المصالح المشروعة للولاية في تطبيق قانونها على الدعوى .
وبذلك تكون المحكمة العليا هي التي قادت الثورة الأمريكية في نطاق تنازع القوانين وما كانت كتابات الفقيهين cavers وCurrie الا محاولة لوضع قالب نظري يتيح للمحكمة معالجة تنازع القوانين دون شطط مع مطالبتهم بضرورة الحد من الاجتهاد القضائي في هذا المجال ويتجلى النهج العدائي للمحكمة العليا الأمريكية تجاه قواعد التنازع التقليدية فيما يخص تطبيق التشريعات الفيدرالية فلقد لجأت إلى فكرة عدم الامتداد التشريعي لكي تفض التنازع الذي يقوم بين التشريعات الأمريكية والاجنبية بدلا من وضع قواعد إسناد واضحه مستغلة صلاحيتها في الدستور الامريكي لملء الفراغ التشريعي في ذلك الموضوع كذلك اصرارها على مواصلة تحقيق العدالة المادية في كل دعوى تنظرها دون التقيد بقواعد اسناد ثابته .
وقد أدرك الكونغرس الأمريكي عبثية ذلك الوضع وحاول معالجة الأمر من خلال إصدار نصوص تشريعية تهدف إلى تحديد نطاق تطبيق التشريعات الفيدرالية لكن ذلك التدخل امر نادر الوقوع ويتسم بعدم الشمولية فهو قاصر على عدد قليل من التشريعات الفيدرالية . وبذلك نصل إلى نتيجة مفادها أن الوضع الحالي فيما يخص تنازع القوانين مرشح للاستمرار في المستقبل مالم تتوجه المحكمة العليا الأمريكية من خلال سوابقها القضائية أو الكونغرس الأمريكي من خلال سلسلة من التشريعات الفيدرالية إلى اعتماد قواعد إسناد تقليدية أو حتى قواعد إسناد ذات طابع مرن تعمل على قيام التوازن بين تحقيق العدالة المادية والحفاظ على استقرار المعاملات وحماية الخصوم من المفاجات المتتالية في مجال تنازع القوانين أمام المحاكم الأمريكية سواء كانت فيدرالية أو محاكم الولايات
مبدأ الفصل بين السلطات
(رؤية قانونية في التأصيل الفلسفي)
بقلم : م. وليد حسن حميد الزيادي
أستاذ جامعي في كلية القانون / جامعة القادسية
مما لاشك فيه أن أعمال الدولة ووظائفها ليست جميعها ذا طبيعة واحدة، فقد ذهب أرسطو منذ القدم مُقسماً إياها إلى ثلاثة : المداولة والأمر والقضاء، وقد جاء هذا التقسيم الثلاثي ليُطابق النظام السياسي الذي كان سائداً آنذاك، والمؤلف من الجمعية الشعبية العامة وهيئة الحكام أو الموظفون والهيئة القضائية (المحاكم) . إلا ان التقابل بين هذه الهيئات وتلك الأعمال لم يصل عند أرسطو وسواه من المفكرين القدامى إلى حد القول بضرورة الفصل بين هذه الهيئات المتولية لتلك الأعمال المختلفة .
وقد أدرك الفيلسوف الإنكليزي (لوك) مبدأ الفصل بين سلطتي التشريع والتنفيذ ــــــ وإن كان لم يصر على الضرورة المطلقة لهذا الفصل ــــــ مقسماً الدولة إلى أربع سلطات مخالفاً بذلك أرسطو، الأولى : سلطة التشريع (وفي ضمنها القضاء بإعتبار إن البرلمان البريطاني كان حينذاك محكمة فصل في القضايا الهامة، ولايزال مجلس اللوردات ـــــ حتى في وقتنا الحاضر ـــــ محتفظاًببعض الاختصاصات القضائية)، والثانية : السلطة التنفيذية (التي اعتبرها سلطة تابعة للسلطة التشريعية)، والثالثة : السلطات الاتحادية (المُدبرة لعلاقات الدولة الخارجية)، والرابعة : سلطة التاج (وتضم مجموعة الحقوق وكافة الامتيازات الملكية).
ثم جاء الفيلسوف (جان جاك روسو) في كتابه العقد الاجتماعي، فجعل التشريع السلطة الوحيدة في الدولة، وأعتبرها السلطة السيدة، وقد أوجب أن تكون مثل هذه سلطة بيد الشعب مباشرةً، على أن تتولى التنفيذ سلطة خادمة وتشمل القضاء كذلك ــــــ لأنه في نظر روسو ــــــ جزءاً من التنفيذ .
وفي سنة 1748 بدأ (مونتسكيو)في كتابه الشهير (روح القوانين)، بتقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث وهي (التشريع والتنفيذ والقضاء) . ثم أتبع ذلك بنظريته الشهيرة في فصل هذه السلطات، وقال قولته الشهيرة بأن (السلطة تحد السلطة) أو (السلطة تقف السلطة)، وقد أُعتبرت نظريته من دعائم الحرية السياسية، وأُتخذت سلاحاً لمنازلة الحكم المطلق وتقويض بنيانه . وقدسادت بعض الدساتير كدستور الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1787 وإن رفضتها دساتير أُخرى .
وترتيباً على هذا المبدأ، فالسلطات موزعة بين هيئات ثلاث، وذلك فيما بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية مع كفالة التعاون والتوازن بينهما، على أن تكون الهيئة القضائية حامية للدستور ورقيبة على هاتين السلطتين . وقد أنتقد بعض الفقهاء التفسير الكلي المطلق لهذا المبدأ، كونه يؤدي إلى العزلة بين جميع الهيئات في الدولة . وهذا بحد ذاته يجسد الفهم الخاطئ لحقيقة هذا المبدأ .
وحريٌ بالذكرفأن مبدأ الفصل بين السلطاتمثلما يُعد بالنسبة لواضعي بعض الدساتير ـــــــ كالدستور الأمريكي مثلاً ــــــ عقيدة يدينون بها لإعتباره سياجاً للحريات وضماناً لها، وسلاحاً يقي من الاستبداد والطغيان، فإنه يُعتبرفي الوقت عينه مبدأ أساسياً في التنظيم القضائي، وهو الذي يؤكد استقلال القضاء وحياده عن السلطتين الأخرتين في الدولة . وقد لاقى هذا المبدأ في ميدان فلاسفة القانون العام كثيراً من الانتقادات، ولاسيما دكروك وديكي .
وفي رأي الأستاذين (هنري سولوس وروجه بيرمر) إن هذا المبدأ ينبغي أن يُنظر إليه بوصفه الحجر الأساس لبناء تنظيم قضائي سليم، لأنه يُعد ضمانة للحريات الفردية ضد السلطة المطلقة، ولأنه يؤكد استقلال القضاء، وإذا ما تزعزع هذا المبدأ فسيخسر القضاء هذا الاستقلال ليصبح أداة سياسية أو يصير عقيدة سياسية .
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد، أنه من الخطر الأكيد الأخذ بآراء بعض فقهاء القانون العام كالعميد (ديكي) الذي ذهب بأن السلطة القضائية ليست في الحقيقة إلا جزءاً من السلطة التنفيذية، لأن كلتاهما مكلفتان بتطبيق القانون، ومثل هذه الآراء لا تؤدي إلى تهديد استقلال القضاء فحسب ولكنها غير صحيحة من الناحية القانونية .
وإذا ما أردنا الحديث عن النتائج العملية المترتبة على هذا المبدأ نقول : يترتب على مبدأ الفصل بين السلطات أن لا يحصل ازدواج في السلطات (التشريعية والتنفيذية، والتشريعية والقضائية، والتنفيذية والقضائية) . يترشح من كل ماتقدم، لعل من أفضل المفاهيم لا بل أكثرها قبولاً لهذا المبدأ، ما ذهب إليهالفقيه الفرنسي (مونتسكيو) الذي كان له الفضل الكبير في إظهاره إلى حيز الوجود،إذ لم يُذكر هذا المبدأ إلّا ويكون مقترناً بأسمه .إذ يقضي بقيام التوازن بين السلطات الثلاث في الدولة مع نوع من التعاون والرقابة المتبادلة بينهم، سيما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية
بقلم: أ. أسعد فاضل منديل
أستاذ قانون المرافعات المدنية
كلية القانون جامعة القادسية
“مدى اختصاص القضاء العراقي بالنظر في دعاوى المتضررين من الأعمال الارهابية والأخطاء العسكرية”
“The extent of the jurisdiction of the Iraqi judiciary to consider cases of those affected by terrorist acts and military errors.”
نصت الفقرة الثالثة من المادة التاسعة عشر من الدستور العراقي الصادرة عام 2005 على أن (حق التقاضي مصون ومكفول للجميع) وهذا يعني ان كل مواطن يتعرض إلى انتهاك في حقوقه أو مصالحه المشروعة أن يلجأ إلى القضاء العراقي باعتبار أن القضاء الملاذ الوحيد الذي يحمي الحقوق ويحافظ على المصالح المشروعة للأفراد. وأن من واجبات الدولة القانونية هو كفالة حق التقاضي والذي من مقتضياته سريان ولاية القضاء على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية. وهذا ما نصت عليه المادة 29 من قانون المرافعات المدنية على انه ( تسري ولاية المحاكم المدنية على جميع الاشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة وتختص بالفصل في كافة المنازعات الا ما استثنى بنص خاص)الا انه بعد عام 2003 وبسبب ازدياد الاعمال الإرهابية والأخطاء العسكرية في العراق صدر في العراق أمرين تنفيذيين من رئاسة الوزراء هما الامر رقم (10) ورقم (17) لسنة 2004 والمتعلقين بتعويض الشهداء والمصابين نتيجة الاعمال الارهابية. وفي عام 2009 اصدر المشروع العراقي قانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الارهابية رقم (20) لسنة 2009 وبتشريع هذا القانون منع المشرع العراقي القضاء من النظر بدعاوي تعويضات المتضررين من الأعمال الارهابية والاخطاء العسكرية، ويهدف هذا القانون إلى تعويض المتضررين منجراء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الارهابية التي وقعت في العراق أبان وبعد سقوط النظام البائد بإجراءات ميسرة ومحاطة بضمانات دقيقة.
أما في التشريعات الوضعية المقارنة نجد أن الجهة المختصة بالنظر في تعويض ضحايا الاعمال الارهابية تختلف من تشريع إلى آخر فقد تكون هذه الجهة هي المحكمة المدنية وقد تكون المحكمة الجزائية بصفتها التبعية وقد تكون جهة ادارية واخيراً قد تكون جهة متخصصة تعطى صلاحية تقدير وصرف التعويض للضحايا.وبالنسبة إلى الاتجاه الاول الذي يمنح المحكمة المدنية سلطة تقدير دفع التعويض وذلك لما لهذه المحاكم من خبرة في مجال التعويض كما يوفر للدولة نفقات انشاء محاكم جديدة كما يتميز هذا الطريق بوضوح الإجراءات القضائية أما الاتجاه الثاني الذي يمنح المحكمة الجزائية سلطة تقدير دفع التعويض ومضمون هذا الاتجاه ان يقدم طلب التعويض إلى المحكمة الجنائية التي تنظر الدعوى المقامة ضد الجاني.
ومما لا شك فيه ان عقد الاختصاص للمحكمة الجنائية يحقق فوائد كثيرة بالنسبة للمضرور أو المجتمع أو المحكمة. وقد أخذ بهذا الاتجاه النظام اللاتيني. أما الاتجاه الثالث الذي يمنح جهات ادارية سلطة تقدير دفع التعويض للمجنى عليهم فقد ذهبت بعض التشريعات إلى عهد الاختصاص إلى جهة إدارية معينة تتولى تقدير صرف التعويض ومن ذلك قانون كاليفورنيا الذي منح ادارة الرقابة الحكومية الحق في صرف التعويض إلى ضحايا الجرائم الارهابية.
أما الاتجاه الرابع فيعطي لجهات مختصة سلطة تقدير دفع التعويض للمجنى عليه فمعظم القوانين التي تبنت مبدأ مسؤولية الدولة تخول لجان ادارية مختصة ذات طبيعة قضائية مستقلة الحق في صرف التعويض وقد تأخذ هذه اللجان تسميات متعددة مثل (لجنة التعويض عن الاضرارالجنائية) أو (اللجنة المركزية لتعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الارهابية). وقد اخذ بهذا الاتجاه المشرع الفرنسي في القانون الصادر عام 1977 والمشرع العراقي بموجب القانون رقم 20 لسنة 2009 . الا اننا بخصوص الجهة المختصة بتقدير دفع التعويض لضحايا الاعمال الارهابية بالقانون العراقي نورد الملاحظات الآتية:-
- ان منح سلطة تقدير دفع التعويض لضحايا جرائم الارهاب الى لجان ادارية وان كانت ذات طبيعة قضائية باعتبار رئيسها قاضي من الصف الاول أوالصف الثاني يعد انتهاك لحق التقاضي الذي نص عليه الدستور العراقي.
- نقترح ان يعدل القانون رقم 20 لسنة 2009 وان يمنح سلطة تقدير التعويض إلى القضاء المدني باعتباره صاحب الولاية العامة للفصل بالمنازعات وباعتباره صاحب الخبرة والقدرات القضائية الكفيلة للفصل بدعاوى التعويضات وبالإضافة الى ضمان حق التقاضي للمواطن العراقي.
- نقترح ان يكون الفصل في دعاوى التعويضات للمتضررين من قبل القضاء المستعجل. أي تنظر على وجه السرعة من خلال اختصار الاجراءات القضائية حتى نضمن للمتضرر حصوله على التعويض العادل بأقرب فرصة ممكنة.
بقلم:ا م د. بيداء علي ولي
كلية القانون _جامعة القادسية
التراث الثقافي غير المادي والتنمية المستدامة …
لا يمكن لمجتمع ان يزدهر من دون ثقافة , كما لا يمكن تحقيق تنمية في غياب الثقافة , فالثقافة تنطوي على استجابات للكثير من التحديات التي تواجه المجتمعات في الوقت الحاضر ,وادراك الصلة بين الثقافة والتنمية , انما يؤكد على الاهمية الحاسمة للتراث الثقافي اللامادي
فالتراث الثقافي غير المادي ( اللامادي ) كما عرفته الفقرة الثانية من المادة الاولى من اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003 والتي دخلت حيز النفاذ سنة 2006والتي صادق عليها العراق بالقانون ذي الرقم 12بتاريخ 24 أب 2009 .
بأنه “الممارسات والتصورات واشكال التعابير والمعارف والمهارات , وما يرتبط بها من الآت وقطع ومصنوعات واماكن ثقافية , التي تعتبرها الجماعات والمجموعات واحيانا الافراد جزءا من تراثهم الثقافي ,وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل, تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها وهو ينمي الاحساس بهويتها والشعور باستمراريتها , ويعزز من ثم احترام التنوع الثقافي والقدرة الابداعية البشرية “
وبناء على هذا التعريف , تتجلى مجالات التراث الثقافي غير المادي ب :
- التقاليد واشكال التعبير الشفهي بما في ذلك اللغة كواسطة للتعبير عن التراث الثقافي اللامادي .
- فنون وتقاليد اداء العروض .
- الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات .
- المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون .
- المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية .
فللتراث الثقافي غير المادي اهمية في تعزيز فرص الحوار بين الثقافات المختلفة ويؤسس علاقات قائمة على الاحترام المتبادل فيما بينها , ليس هذا فحسب بل هو ايضا محركا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المستدامة .
وكما هو معلوم ان التنمية المستدامة , “هي التنمية التي تستجيب لحاجيات الحاضر دون ان تعرض للخطر قدرة الاجيال القادمة على تلبية حاجياتها “, وللتنمية المستدامة ابعاد يمكن للتراث الثقافي اللامادي ان يلعب دورا مهما فيها , لذا سوف نقوم بتسليط الضوء عليها وعلى النحو الاتي :
1-التراث الثقافي غير المادي والتنمية الاجتماعية المستدامة .
ان الممارسات التقليدية في مجالات التغذية وإدارة الموارد المائية والتجمعات والاحتفالات قد اثبتت جدارتها في تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة للجماعات على مدى الحقب المختلفة , ففي مجلات التغذية تساهم الانظمة التقليدية المحلية الخاصة بالزراعة وصيد الاسماك بشكل فعال في تحقيق الأمن الغذائي للجماعات ,كما ان للممارسات التقليدية في مجال إدارة الموارد المائية , تضمن الانتفاع المنصف بالمياه النظيفة واستغلالها على نحو مستدام خصوصا في مجال الزراعة والاستخدامات اليومية ,فمن الاهمية بمكان ان تنقل هذه الممارسات والنظم الى الاجيال اللاحقة لا نها توفر حلولا مستدامة للتصدي للتحديات البيئية والتنموية المتعلقة بالمياه .ويمكن للممارسات التقليدية في مجال الصحة الاسهام في تحقيق الرفاه والرعاية الصحية الجيدة للجميع , فكان للمعالجين بالأعشاب شأن كبير في توفير الرعاية الصحية الاولية للناس على مر الالاف السنين , اما على صعيد التنمية الاجتماعية فانه يعزز التلاحم الاجتماعي في زمن التباعد والانكفاء على الذات فالممارسات الاجتماعية كالاحتفالات الجينية والمناسبات تساهم في تمتين الروابط الاجتماعية للجماعات كونها تبرز القواسم المشتركة في الهوية للأفراد الذين يمارسون تلك الانشطة .
2- التراث الثقافي اللامادي والتنمية الاقتصادية المستدامة .
ان من جملة المجالات المتعدة للتراث الثقافي اللامادي وكما وارد اعلاه هي الفنون والحرف التقليدية , والتي من شأنها ان توفر دخلا للأفراد والجماعات التي تمارس تلك الحرف , وتزيد من فرص التشغيل , وهي بذلك تحميهم من التهميش الاقتصادي وتشكل في الوقت نفسه قوة دافعة للتنمية الاقتصادية على المستوى المحلي .
3- التراث الثقافي اللامادي والاستدامة البيئية .
تتطلب الاستدامة البيئية ضمان استقرار المناخ وادارة الموارد الطبيعية على نحو مستدام وحماية التنوع البيولوجي ,ولقد استرشدت المجتمعات البشرية بالمعارف والقيم والممارسات التقليدية المتراكمة والمتجددة عبر الاجيال التي تمثل جزءا من التراث الثقافي غير المادي في تفاعلاتها مع البيئة الطبيعية المحيطة بها منذ الالاف السنين .
وعلى الرغم من الطابع الحي للتراث الثقافي غير المادي وقدرته على التكيف مع المتغيرات , الا إنه من جهة اخرى ذي طابع هش , ومهدد بالاندثار نتيجة تبدل الاوضاع الاجتماعية والاذواق الثقافية بسب العولمة المتزايدة , فالتوسع الحضري والهجرة والتصنيع والمتغيرات البيئية تؤثر سلبا على الاستدامة , و لا يخفى ما للتكنولوجيات الحديثة من اثر , اذ انها تقوم مقام التقاليد الشفهية واشكال التعبير الشفهي , فعلى سبيل المثال أن العروض التي تقدم للسياح غالبا ما يتم تطويعها بما يتناغم مع اذواق السواح وطلباتهم وذلك من شأنه ان تتحول الاشكال الفنية التقليدية الى سلع وتندثر جوانب مهمة منها بعدها غير قابلة للتسويق السياحي .
كما تتضرر الحرف التقليدية , وذلك لهيمنة الشركات المتعددة الجنسية التي توفير المنتجات بكميات اكبر وبتكلفة اقل وبذلك تكون أوفر من الصناعات اليدوية, ونتيجة لهذه المخاطر فلقد اوردت الاتفاقية اجراءات لصون التراث الثقافي اللامادي , وعلى المستويين الوطني والدولي .
بقلم:أ.م شذى مظفر حسين
كلية القانون- جامعة القادسية
حضانة الطفل في قانون الأحوال الشخصية العراقي والفقه الإسلامي
The child custody in the personal status law and Islamic jurisprudence lawبقلم:
الحِضانة بكسر الحاء يُفهم منها مكان الحفظ والرعاية وهي من: حضن الصبي حضناً: جعله في حضنه أو ربَاه والحضانة هي التربية، ويدل عليه قول الإمام علي (ع):”.. ومن رحمته أنه لما سلب الطفل قوة النهوض والتغذي جعل تلك القوة في أمه ورققها عليه لتقوم بتربيته وحضانته “.
عُرفت الحضانة بأنها حفظ الولد وتربيته وأنها:” ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلق بها من مصلحته وحفظه وجعله في سريره. ونعني بالحضانة ضم الأم ولدها إلى جانبها، فتقوم برعايته، وأنها تربية الطفل وحفظه والقيام بشؤونه لمدة معينة،وأنه لا يوجد فرق بين الحضانة والكفالة وبالتالي فإن الحفظ يشمل كل من لا يستقل بأموره صغيراً كان أو مجنوناً .. اما من فرق بينهما فعدَ حفظ ما قبل السبع أو الثماني سنين حضانة وما بعده كفالة.
أما في القانون: لم يعرف قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 النافذ الحضانة، لكنه ذكر لها تعريفاً في مقدمة التعديل الثاني (رابعاً) لهذا القانون إذ عبَر عنها بأنها:” تربية الطفل وتدبير شؤونه من قبل من له حق في ذلك قانوناً، والمحافظة على من لا يستطيع تدبير أموره بنفسه، و تربيته بما يصلحه يقيه مما يضره .
فالمشرع الوضعي اعتبر الحضانة حق لأنه يرى أن المحضون قد يحتاج إلى الرعاية حتى سن الثامنة عشرة من العمر، وهو بذلك قد أخذ بالآراء الفقهية حيث أن المرجع الأساس في تكييف مسائل الأحوال الشخصية هو الفقه الإسلامي ذلك طبقاً لما نصت عليه المادة (1/ ف2) من القانون.” إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون”.
نظراً لأهمية موضوع الحضانة في الفقه الإسلامي باعتباره المصدر الأساسي للأحكام وفي قانون الأحوال الشخصية العراقي وذلك لأن الحضانة عدة ما تثار بعد إيقاع الطلاق،وعادة ما تعرض مسائلها على القضاء، وأن كثيراً من أحكامها تحتاج إلى مراجعة القواعد والنصوص الفقهية لأجل حلها وهو ما نصت عليه المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل.
-وأن الأولوية للأم في حضانة الطفل من الأمور المتفق عليها شرعاً وقانوناً.
واختلفت الآراء الفقهية والقانونية في تكييف الحضانة على أنها حق أم واجب. وما يترتب على ذلك من الآثار.
-إن أساس الحضانة هو رعاية مصلحة المحضون وذلك ما أكده الشرع والقانون، فلأجل أن يحظى المحضون بالرعاية السليمة من جهة، وأن لا تضيع جهود الحاضن خلال مدة الحضانة أجاز الشرع والقانون تقدير الأجرة للحاضن و للمحضون ، وأجاز للطرف الذي منعت عنه الحضانة مشاهدة المحضون، وهذه المسألة من المسائل الغير محسومة لا شرعاً ولا قانوناً .
—أن الحضانة من أبواب الفقه والقانون التي يجب العناية بها دراسة وتأليفاً ، لأن فيها من الغموض والتشعب واضطراب في كلام الفقهاء ما يدعو إلى الاهتمام بها.
-على المشرع أن يقوم بسد النقص التشريعي وذلك من خلال تعديل النصوص بما يتناسب وواقع المشكلة وتطورات العصر، خاصة تلك التي يصعب على القضاة الحكم بها عند الرجوع فيها بسبب اختلاف الآراء الفقهية فيها مثل موضوع اختلاف الدين والإنتقال المحضون من بلد إلى بلد.
-أن يتفق المشرع في موضوع بلوغ المحضون وحق الإختيار مع الرأي القائل بسن (7أو 8) سنوات،ليتسنى للأب أن يمارس دوره في بناء شخصية الطفل.
-أن يمارس كل من القضاة واللجان الطبية والباحثين الدور الإيجابي في علاج بعض حالات النزاع التي عادة ما تكون نسبية يجب أن يتعاملوا معها بنحو لا يتعارض مع حكم شرع الله ومصلحة الطفل المحضون، ليكون فرداً كاملاً جسدياً ونفسياً، فيؤثر و يتأثر في المجتمع.
-إن رعاية الواقع أمر لابد منه وكثير من الأحكام قامت على رعاية عرف الناس في عصرهم، وعلى ذلك فالذي نراه أن يعاد النظر في بعض الأحكام الفقهية التي بناها الفقهاء على عرف عصرهم.
بقلم: الدكتور صفاء متعب الخزاعي
كلية القانون _جامعة القادسية
الميراث الرقمي
Digital legacy
بين صرامة أحكام الارث وديناميكية الحياة.
لم تعد مسألة الإرث اليوم تقتصر على عقار وأموال ومنقولات، بل بات الأمر يشمل ما يمكن تسميته بالممتلكات الإلكترونية، والتي تدخل في خانتها حسابات ذات آثار مالية كبيرة أو عاطفية ذات أهمية في نفوس ورثة المتوفى، ومن مظاهر الارث الرقمي الحسابات بريدية وحسابات مواقع إلكترونية ذات الدفع المسبق والخدمية بشكل عام، وكذلك الممتلكات الأخرى من قبيل حسابات تخزين قاعدة البيانات، ومنصات وحسابات تداول العملات الرقمية كالنقود الإلكترونية وعملك البيوتكين وغيره أو الأسهم ووصولا إلى مواقع التواصل الاجتماعي والتجاري والخدمات حسب الطلب.
وقد أضحى هذا الموضوع الخاص بالميراث موضع أهمية لاسيما في البلدان المتقدمة، إذ إن كل أحد منا قد يفكر في يوم ما حول الطريقة التي يجب أن يتم بها تحديد مصير إرثه الإلكتروني ومدى إمكان حيازته من خلال عائلته ومقربيه أو الموصى لهم أو من عدم إمكان ذلك.
وتطرح مسألة إدارة الإرث الرقمي جوانب متعددة منها أخلاقية وأخرى سيسيولوجية بالإضافة للقانونية والدينية.
فبالنسبة للجانب الأخلاقي الذي يثير نقاش مهم، وهو جدلية حق الخصوصية والحياة الخاصة للمتوفى من جهة وحقوق الخلف العام في تملك الإرث الرقمي للمتوفى لما تحويه من قيم مالية وعاطفية مهمة كالصور والذكريات من جهة أخرى، وهل من الأخلاقي منح الولوج مثلا إلى البريد الإلكتروني أو إلى حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للمتوفى ونحن ندرك إن هذا النوع من الولوج سوف يجعل أكثر الأمور حساسية وسرية متاحة لمقربي المتوفى، خاصة قد لا تكون للمتوفى رغبة شخصية بمنح ترخيص الولوج لحساباته على مواقع التواصل لأي شخص من الورثة أو الموصى لهم، لما تحتويه الحسابات من معطيات خاصة قد تحمل في طياتها بعض الأسرار والتي لايمكن الاطلاع عليها وينبغي أن تحذف بعد الوفاة.
اما الجانب السوسيولوجي يبرز في مدى امكان تحويل هذا النوع من البيانات الإلكترونية من صيغتها التجارية الصرفة بين مستخدم أو ذوي حقوقه ومزود خدمة إلى صيغة المنفعة العامة وذلك بهدف إعداد دراسات سوسيولوجية وسيكولوجية لحركة الإنسان داخل الإنترنت، وما ترتب من اثر أركيولوجي في مرحلة معينة، والمسألة هنا معقدة؛ إذ أن كل فرد له رؤيته الأخلاقية الخاصة في تقييم هذا الجانب ومدى استعداده من نشر محتواه أمام الجمهور.
وبالنسبة للجانب القانوني والديني فقد برزت صعوبة هذا النوع من التركات في معرفة النظام القانوني الذي يحكمها، هل يمكن أن تخضع للقواعد العامة الحاكمة للارث والوصية او العقود التي أبرمت من خلالها، ام نحتاج إلى تشريعات خاصة؟
بالنسبة للتشريعات الأمريكية والإنجليزية والالمانية والاتحاد الاوربي قد حسمت الأمر من خلال إصدار قوانين محلية ودولية في تنظيم مآل الارث الرقمي والأشخاص المستحقين له، وكان أول هذه المواقف هو عام (٢٠١٢). لكن الأمر يزداد صعوبة في القوانين ذات النظام الإسلامي كالعراق؛ لاسيما إن إصدار تشريعات خاصة متعلقة بتحديد مآل الأموال والحقوق بعد الوفاة قد يصطدم بصرامة قواعد الارث والوصية التي هي من النظام العام وانضوائها شرعا في خانة الحدود الشرعية القطعية التي لاتقبل التأويل أو التعديل هذه من زاوية، ومن زاوية أخرى قد يثير موضوع انتقال الإرث الرقمي جملة من الإشكالات القانونية المتعلقة تزاحم بعض حقوق الإنسان فيما بينها كتزاحم الحق في الحياة الخاصة والحق في سرية المراسلات مع حق الملكية وحق الحصول على المعلومة والحرية الشخصية.
وبسبب ماتقدم لجأت التشريعات التي نظمت هذا الموضوع المهم من سلوك احد الطريقين المتناقضين: فمن رجح جانب حق الخصوصية وسرية المراسلات رفض انتقال المتعلقات الإلكترونية بعد الوفاة كما اتجهت لذلك المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان والمشرع الإنكليزي وقد واوجدوا حقاً جديدا في هذا الصدد هو (حق الانسان في أن يكون منسياً The right to be forgotten ) وهو حق صدر بموجب قرار شهير من المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان التي ألزمت فيه هذه المحكمة شركة غوغل بإزالة رابط قديم يظهر في نتائج البحث على محرك البحث الخاص بها ويتعلق بخبر إشهار إفلاس المدعي، وقد اعتمد على هذا القرار المشرع الانكيزي الذي أصدر قانون يمنح مستخدمي الإنترنت “الحق في أن تكون منسيا”، الذي يسمح للأفراد طلب حذف وإزالة كل المعلومات التي تتعلق بهم، ويفرض على الشركات التكنولوجية على الشبكة الاستجابة لطلب الأفراد.
اما من رجح جانب حق الملكية والطبيعية المالية للأشياء الرقمية فقد أجاز انتقال الارث الرقمي وهذا اتجاه المشرع الأمريكي والألماني إذ نظمت بعض الولايات الأمريكية تشريعات في هذا الصدد واجازت انتقال الارث الرقمي للموصى له أو الورثة مالم ينص المتوفى وبوصية منفصلة حذف بعض البيانات واوجدت حقاً مغيراً للخق الذي اوجدته المحكمة الأوربية وهو “حق الوصول أو الولوج- The Right access” .
وعلى الرغم من كل ماتقدم تبقى مسألة تحديد مصير الارث الرقمي من المسائل الحديثة جدا ولم يوجد فيها أحكاما قانونية مستقرة، إذ نجد ندرة تامة للكتابات القانونية حول الموضوع، رغم التسارع الرقمي وحجم السوق الرقمي الذي يحتاج معه الى ضبط قانوني من طرف المشرعين وهو أمر لا يقتصر على المنطقة العربية فحسب فمعظم التشريعات العالمية باستثناء المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان مازالت تتوسم وشاحا كلاسيكيا في مجاراة هذا التقدم الرقمي وإشكالاته القانونية المرتبطة بالقواعد المقررة بحماية المتوفى و ورثته من العقود التي تفرضه شروطها عليه الشركات المزودة والتي تحدد من خلالها مآل الأصول الإلكترونية للفرد.
وختاماً، نحن اليوم في أمس الحاجة إلى تكاثف الجهود من أجل إيجاد احكام قانونية ناجعة وسليمة لإرثنا الرقمي وهو الأمر الذي قد يجعل المحاكم في حرج شديد عند عدم وجود المتكئ القانوني المباشر لحكم الارث الرقمي.